المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا خلق الله النار ؟


النور الفاطمي
20-04-2010, 09:47 PM
لماذا خلق الله النار ؟




http://arabic.bayynat.org/nachratbayynat/kadayaislamia/kadayaislamia_pic/kadia_366.jpg
الشيخ حسين الخشن




يتساءل البعض لماذا خلق الله النار؟ ولماذا يعذِّب خلقه بهذه الألوان من العذاب التي لا تحتملها الجبال ولا الأرضون، بل إنها في هولها تفوق التصور، كما تدل عليه النصوص الدينية؟ أفهل خلق الله العباد للعذاب؟ أم تراه "سادياً" يرتاح ويلتذ بتعذيب الآخرين؟



وهل تستدعي إساءة العبد لربه ـ وهي في الحقيقة إساءة لنفسه ـ كل هذا الجحيم أو الشقاء الأبدي في نارٍ "لو أن مثل خرق الإبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم، ولو أن رجلاً أُدخل جهنم ثم أخرج منها لمات أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه لما يرون به..." (الدروع الواقية لابن طاووس ص:273)؟ ثم كيف نفهم الخلود في النار ونحن نعرف أن مقتضى العدل أن يكون مستوى العقاب متلائماً مع مستوى الذنب؟



الوجود الحقيقي للنار:


ومن الطبيعي أن نستبعد بادئ ذي بدء ما يقوله بعض الفلاسفة من أن النار ليس لها وجود حقيقي، وإنما هي مفهوم وهمي ابتكره الأنبياء والرسل لغاية نبيلة وهدف سامٍ ألا وهو حمل الناس على الالتزام بالقيم الأخلاقية ومراعاة النظام العام، والابتعاد عن كل ما يخرّب الاجتماع الإنساني، وذلك أنّ الإنسان بطبيعته لا يردعه عن غيّه وعدوانيته إلاّ الترغيب والترهيب، وقد استخدم الأنبياء هذا الأسلوب بأبرع ما يكون، فكانت الجنة عنوان الترغيب والنار عنوان الترهيب، وهذا أشبه شيء بما يفعله بعض المُرَبّين من الآباء والأمهات وسواهم من ابتكار مخلوق وهمي كالغول مثلاً فيخيفون به الأطفال لحملهم على الالتزام بأوامر المربي.
إنه وبناء على هذا التصور فإنّ سؤال العقاب وقسوته التي لا تناسب الذنب يرتفع من أساسه، إلاّ أننا نرفض هذا التصور جملة وتفصيلاً، لأنه يفترض إمكانية لجوء الأنبياء إلى استخدام الكذب فيما أخبروا به عن الجنة والنار ومشاهدهما المختلفة، وهو ما يبعث على التشكيك في كل المفاهيم التي تحدّثوا بها وأخبروا عنها، بما في ذلك حديثهم عن وجود الله، فإنه ـ وانسياقاً مع التصور المذكور ـ ليس ثمة ما يمنع أن يكون "الله" وجوداً خيالياً أيضاً، ابتكره عقل الأنبياء لحمل الناس على فعل الفضائل واجتناب الرذائل؟!
إنّه بصرف النظر عن أنّ مبدأ العقاب والثواب الأخروي هو مبدأ يحكم به العقل، فإنّ إيماننا بصدق الأنبياء المستند إلى الأدلة القاطعة يحتّم علينا الإقرار بواقعية الجنة والنار، وأنهما موجودان حقيقيان، كما أكدت على ذلك النصوص الدينية المتواترة لدى كافة الرسالات السماوية بما لا يقبل التشكيك ولا التأويل {ويستنبؤنك أحقٌ هو قل إي وربي إنه لحقٌ وما أنتم بمعجزين}(يونس:53)، ومجرد نبل الهدف لا يخفّف من وطأة الإشكال شيئاً، وقد أوصى الإمام الصادق(ع) بعض صحابته بأن لا يمزج الحق بالباطل حتى لو كان هدفه نبيلاً وسامياً، فقال له بعد أن استمع إليه يحاور شخصاً آخر على خلاف معتقده: إنك "تمزج الحق مع الباطل، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل"(الكافي ج1 ص173)، إنّ هذه الوصية إن دلّت على شيء فإنّها تدل على أن نبل الغاية لا بدّ أن ينعكس على الوسيلة نفسها، وأنه لا يمكن للأنبياء أن يعتمدوا في عملية الدعوة إلى الله وبيان الحقائق الدينية أسلوب المراوغة و"الكذب النظيف" ومزج الحق بالباطل...
وقد حدثنا المؤرخون أنه عندما توفي إبراهيم ابن رسول الله(ص) واتفق كسوف الشمس في ذلك اليوم وقال الناس: "إنكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله(ص)" في اعتقادٍ شعبيٍ لا يزال باقياً إلى اليوم، وكان بإمكان النبي(ص) استغلال الحدث والموقف في سبيل غايته النبيلة، لكن مصداقيته أبت عليه ذلك، ولذا صعد المنبر "فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تجريان بأمره مطيعان له، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا أو واحدة منهما فصلّوا، ثم نزل، فصلى بالناس صلاة الكسوف" (الكافي ج3 ص463، وصحيح مسلم ج3ص34).


النار ليست للتشفي:


وبعد الإيمان بواقعية النار ووجودها الحقيقي ـ مع صرف النظر عن الاختلاف في أنها مخلوقة الآن أو أنها ستخلق لاحقاًـ فلا بدّ أن نفترض أن خلقها لم يكن عبثاً ولا بداعي الانتقام من العباد أو التشفي منهم، فالله سبحانه وتعالى غني عن خلقه لا تضره معصية من عصاه ولا جحود من جحد به، تماماً كما لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا إيمان من آمن به، قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً}(النساء:147)، إن الانتقام أو التشفي هو من خصال الضعفاء وفعال الظالمين، وقد تنزه الله عن ذلك "وقد عَلِمْتُ يا إلهي أن ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة إنّما يعجل من يخاف الفوت ويحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت عن ذلك يا سيدي علواً كبيراً"(الصحيفة السجادية).
وأما ما ورد في الكتاب من نسبة الانتقام إلى الله كما في قوله تعالى :{ فأنتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ}(الأعراف:137) أو توصيفه تعالى بأنه ذو انتقام (راجع: سورة طه الآية85)، فلا يراد به المعنى الشائع للانتقام والذي يختزن معنى شفاء الغيظ أو التشفي أو التنفيس عن الأحقاد، فإن هذا مما لا يليق بالكريم من بني الإنسان فكيف بالله الكامل الغني المطلق ذي الرحمة الشاملة؟ وإنما المراد بالانتقام في تلك الآيات معنى المجازاة وعقوبة المسيئين على ما ارتكبوه من إساءة (راجع مجمع البيان ج2 ص236).


على طريق التكامل:


قده أن الهدف من خلق النار لا يمكن فهمه إلاّ في إطار فهم الهدف العام من خلق الإنسان نفسه، ومن المعلوم أن الخلق ـ في منطق القمع بطلان نظرية الوجود الوهمي للنار، وكذا فكرة كون النار مخلوقةً بهدف التشفي والانتقام، فإن السؤال يعود مجدداً: ما هو مبرر وجود النار وهدف خلقها إذن؟
والذي نعترآن ـ ليس عبثياً ولا جزافاً، بل القول بالعبثية يتنافى وأصلاً اعتقادياً وهو: الإيمان بحكمة الله وقدرته وعلمه، فالخالق العالم الحكيم القادر لا يقوم بأعمال عبثية لا فائدة منها {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون}(النور:115)، وإنما خلق كل شيء بميزان {والسماء رفعها ووضع الميزان}(الرحمن:7).
والغاية التي لا بدّ أن نفترضها للخلق لا يمكن أن يعود نفعها إلى الخالق نفسه، لأن معنى ذلك أنه ناقص ويحاول إكمال نقصه وضعفه بما يصنع أو يخلق، كما يفعل الإنسان الذي يصنع ويعمل وينجب الأولاد إشباعاً لرغباته وتحقيقاً لاحتياجاته وسداً لنقصه، أما الخالق فحيث أنه غني قادر كامل فلا بدّ أن يكون هدفه من وراء الخلق عائداً إلى المخلوقين أنفسهم، وعلى رأسهم الإنسان، والهدف المعقول على هذا الصعيد هو الارتقاء بالإنسان والسير به في خط التكامل للوصول إلى الدرجات العليا على المستوى الروحي والمعنوي والمادي.
وفي ضوء ذلك لا بدّ أن نفهم ما ورد في القرآن الكريم من أنّ هدف خلق الإنس والجن هو العبادة {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56)، فإنّ ذلك لا يراد به بطبيعة الحال أن الله سبحانه بحاجة إلى عبادتنا وأعمالنا، وإنما العبادة هي حاجة إنسانية، فهي سلّم ارتقائنا إلى الله سبحانه، كما أنها المدخل إلى تحقيق الاستقرار والأمن على وجه الأرض، خاصة عندما نفهم العبادة بمعناها الواسع والشامل لكل الأنشطة الإنسانية الهادفة إلى تحقيق العدل وخدمة عيال الله.


النار ضرورة ورحمة:


في هذا الإطار، وفي سياق فهمنا لوظيفة الإنسان ودوره في الحياة والذي يتلخص بمهمة واحدة وهي إقامة العدل ونشر السلام، وفي نطاق نظرتنا إلى الدنيا باعتبارها محطة على طريق الآخرة، وبعبارة أخرى: مزرعة الآخرة، فاليوم هو يوم الزرع وغداً هو يوم الحصار، في هذا السياق يكون وجود النار والجنة باعتبارهما تجسيداً لمبدأ الثواب والعقاب وتحقيقاً لمنطق العدل والإنصاف ضرورياً في حكم العقل والعقلاء. إنّ النار ليست هدفاً أصيلاً للخالق أو مطلوباً في ذاته، وإنما الذي أملى وجودها:
أولاً: أنها تلعب دوراً مساهماً في تحقيق هدف الخلقة المشار إليه، فإنّ الإنسان بحسب خصائصه التكوينية يتأثر كثيراً بمبدأ الثواب والعقاب وينعكس ذلك على سلوكه إلى حد كبير، ومن هنا اعتمدته كل الأنظمة والشرائع، إنصافاً للمحسن، وردعاً للمجرم، وبهذا الاعتبار يكون وجود النار رحمة للناس كما نقل عن بعض الأكابر، حيث قال : إن الله خلق "النار رحمة يخوّف بها عباده لينتهوا".
وثانياً: إن النار ـ كما أسلفنا قبل قليل ـ هي التجسيد الطبيعي لمبدأ العدل، هذا العدل الذي يحتم ضرورة التفريق بن المحسن والمسيء في الجزاء، كما قال أمير المؤمنين(ع) لمالك الأشتر في عهده إليه لما ولاّه مصر: "ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلةٍ سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة"(نهج البلاغة)، كيف ونحن نلاحظ أن الكثير من الناس يفلتون من المحاكمة العادلة في دار الدنيا، بل ربما يُحَاكم المظلوم ويُعفى عن الظالم، ما يحتم وجود محكمة عدل إلهية لا يضيع فيها حق مظلوم ولا يفلت من عقابها ظالم.


النيران وليدة العصيان:


وهناك إجابة أخرى على سؤال خلْق النار وتعذيب أهلها، وهذه الإجابة هي بنظر البعض أكثر إقناعاً من الإجابة السابقة وحاصلها: أن النار هي نتاج طبيعي لأعمال الإنسان الجرمية والسيئة، وليست جزاءً مُعدّاً من قبل الله بشكل مباشر على معصية العباد، وهذا ما يتبناه العرفاء وغيرهم، يقول صدر المتألهين: "إن جهنم ليست من حيث كونها دار العذاب بما له وجود حقيقي بل منشؤها وجود الضلال والعصيان في النفوس، حتى أنّه لو لم تكن معصية بين آدم لما خلق الله النار" (الأسفار9 ص346)، وهذا ما استفادوه من قوله تعالى بشأن النار {وقودها الناس والحجارة} (البقرة 24 والتحريم6)، فأكدوا أن حقيقة النار من تبعات النفوس البشرية ومثلها الجنة (تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني ج4 ص540)، إلا أن هذه النظرية تبتني على القول بتجسم الأعمال، وهي نظرية مثار جدل بين العلماء، ولعلنا نوفق لتناولها بالبحث في مقالة لاحقة.

حور عين
20-04-2010, 10:19 PM
بوركت وبوركت كلماتك ويارب في ميزان حسناتك
اللهم أعذنا من حرها وحسيسها وأهوالها وطرق الشيطان للوصول اليها
وأرحمنا وأرض عنا وأهدنا صراطك المستقيم
بفضلك ورحمتك يأرحم الراحمين وبحق شفاعة محمد الأمين
وآله الطيبين الطاهرين
اللهم آمين

النور الفاطمي
20-04-2010, 10:22 PM
حورعين وفقك الله
ولاحرمت من مرورك الكريم
تشرفت بمرورك العطر

قرة عيني رقية
21-04-2010, 09:55 PM
اللهم أرحمنا ياأرحم الراحمين ..
بارك الله فيج عزيزتي الغالية على الموضوع الجميل ..

النور الفاطمي
22-04-2010, 09:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله اجمعين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
@@خادمة الائمه@
نورتي
وفقك الله
شكرا لمرورك العطر
تشرفت بمرورك الكريم

لؤلؤة الزهراء
23-04-2010, 10:59 AM
بارك الله فيك ..

جزاك الله خير الجزاء خيو ..

يسلمو ..

mooon
24-04-2010, 03:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لك جزيل الشكر

النور الفاطمي
26-04-2010, 11:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله اجمعين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
@@mooon@
نورتي
وفقك الله
شكرا لمرورك العطر
تشرفت بمرورك الكريم